كارلا ديل بونتي.. المرأة التي حاكمت وحوش البلقان

كارلا ديل بونتي.. المرأة التي حاكمت وحوش البلقان

في الحادي عشر من يوليو من كل عام، يتذكر العالم إحدى أسوأ صور الإبادة الجماعية في التاريخ الحديث، والتي وقعت في سربرنيتسا عام 1995 خلال الحرب التي دارت في البوسنة والهرسك، حيث قُتل خلالها 8,372 شخصًا، غالبيتهم من الشيوخ والأطفال، برصاص وحدات من جيش جمهورية صرب البوسنة تحت قيادة راتكو ملاديتش، وبتورط قوات شبه عسكرية صربية.

ولم تكن المذبحة مجرد جريمة إنسانية فحسب، بل كانت مثالًا حيًا على انتهاك القرارات والمواثيق الدولية إلى أبعد حد ممكن، فبينما قررت الأمم المتحدة اعتبار المدينة منطقة آمنة وطلبت من الأطراف المتحاربة تجنيبها أي معارك أو قتال، اجتاحت القوات الصربية المدينة في 11 يوليو 1995 وارتكبت فيها جريمة مروعة.

ودخلت القوات إلى المدينة، وبالتزامن مع ذلك، فرّ آلاف المدنيين نحو قاعدة الأمم المتحدة، وقامت القوات الصربية بفصل الذكور عن النساء والأطفال بحجة "التحقيق في جرائم حرب"، ونُقلت النساء والأطفال في حافلات إلى أراضٍ تحت سيطرة الحكومة البوسنية، بينما بقي الرجال والصبية قيد الاحتجاز، وتم نقلهم إلى مواقع إعدام مجهولة، حيث قُيدوا وتم إطلاق النار عليهم ودفنوا في مقابر جماعية.

وأحيت الأمم المتحدة هذا الأسبوع ذكرى تلك المجزرة التي مضى عليها 30 عامًا، وأثارت منيرة سوباشيتش، التي فقدت 22 من أفراد عائلتها بمن فيهم زوجها وابنها، تعاطفًا كبيرًا عندما تحدثت في فعالية الأمم المتحدة وهي باكية قائلة: "لم تتوقف الأمهات. لم ينتظرن أن ينصفهن أحد، بل نهضن وأعلنّ بوضوح أن أطفالنا أبرياء، وأنهم قُتلوا. وأنهم ضحايا أبرياء. وأنه لا بد من أن يكون هناك من يتحمل المسؤولية".

وبينما يتذكر العالم هذه المأساة، يتذكر معها سيدة قوية ساهمت في تقديم المسؤولين عن تلك المذبحة إلى العدالة ومحاكمتهم أمام العالم، هي كارلا ديل بونتي، المحامية السويسرية ورئيسة الادعاء العام السابقة للمحكمة الجنائية الدولية التابعة للأمم المتحدة.

شغلت كارلا منصب المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة بين عامي 1999 و2007، وكرّست فترة عملها لملاحقة المسؤولين عن مختلف المجازر والمذابح والجرائم التي جرت خلال الحرب، وتولت بشكل خاص قيادة التحقيق في جريمة سربرنيتسا.

"أظل أقول لنفسي إن العدالة ستسود"، هكذا تحدثت المدعية الأممية فيما بعد عن مسؤولية توليها التحقيق في المجزرة، واتسمت خلال فترة عملها على تلك القضية بالصرامة الشديدة والسعي الحثيث لتقديم المسؤولين عن جرائم الحرب للعدالة، حتى أطلقت عليها وسائل الإعلام اسم "الصاروخ غير الموجه".

أدت جهود كارلا إلى إصدار لوائح اتهام ضد راتكو ملاديتش، المسؤول عن المذبحة، ورادوفان كارادجيتش، رئيس جمهورية صرب البوسنة خلال الحرب، وقدمتهم للعدالة إلى جانب عدد من القادة العسكريين خلال فترة الحرب، واتهمتهم بارتكاب الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وفي سبيل ذلك واجهت تحديات ودخلت في مواجهات ليست بالسهلة، حتى إنها اتهمت بعض الدول الغربية بإعاقة الوصول إلى ملاديتش وكارادجيتش لفترات طويلة.

وبعد سنوات، تم تقديم الجناة بالفعل إلى المحكمة وأدينوا بالإبادة وجرائم الحرب، وقالت في حديث معبّر عن تلك القضية: "لن يكون هناك سلام حقيقي في البلقان دون عدالة، ولن تكون هناك عدالة بدون الحقيقة كاملة، ومحاكمة كل من أمر ونفّذ المجازر".

وُلدت في بيجناسكو، سويسرا، وحصلت على درجة الماجستير في القانون عام 1972، وانضمت إلى شركة محاماة خاصة في لوغانو، وغادرتها في عام 1975 لتأسيس مكتبها الخاص. وفيما بعد، عُينت مدعية عامة وتعاملت مع قضايا غسل الأموال، والاحتيال، والاتجار بالمخدرات، وتهريب الأسلحة، والإرهاب، ووصلت إلى منصب المدعية العامة في سويسرا، قبل أن تسند لها الأمم المتحدة مهمة الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا.

وظلت تمارس عملها حتى 30 يناير 2007، عندما أعلنت نيتها الاستقالة، قائلة إنه "حان الوقت للعودة إلى الحياة الطبيعية". وبعد انتهاء مهمتها، شغلت ديل بونتي منصب سفيرة سويسرا لدى الأرجنتين من يناير 2008 حتى أوائل عام 2011، عندما تقاعدت.

من سبتمبر 2012 إلى أغسطس 2017، كانت عضوًا في لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا تحت رعاية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وفي أغسطس 2017، استقالت ديل بونتي من اللجنة، بسبب إحباطها من نقص الدعم من المجتمع الدولي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية